الرئيسية » الرئيسية » حزب الديمقراطيين الجدد يطلق مشروع 1000 قيادي بجهة فاس مكناس

الإقصاء الإجتماعي.. إلى أين؟

ذ. محمد الركانة : عضو المجلس الوطني لحزب الديمقراطيين الجدد

لقد كانت السعادة هي حلم البشرية منذ القدم، واسعاد الانسان قد تحول في العصر الحديث من مجرد حلم، الى حق من حقوق الانسان. ومع ظهور مصطلح الرأسمال البشري، والذي جاءت به خطاطة التنمية البشرية، بوصفها تفكيرا اجتماعيا مبدعا؛ فلقد ظهرت كذلك عناصـر لتقييم الرأسمال البشري، من حيث كونه عامل تنمية اجتماعية واقتصادية.

وهكذا حصــــل الالتفات الى محبطات مشروع الرسمال  البشري، بوصفه رأسمالا لاماديا، اذ بزغ مع أشغال لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لافريقيا، من خلال ندوة حول موضوع “الحد من الاقصــــاء البشري، من أجل تحول هيكلي : المؤشر الافريقي للتنمية البشرية “.

ولقد أصبح الرفاه، تجسيدا للسعادة ومدخلا لها، والرفاه بمعنى Le Bien–Etre وهــو مفهوم يتجاوز البعد الاقتصادي، اذ رصدت له اللجنة السابقة الذكر خلال دورتها 18 التي انعقدت بأديس أبابا بتاريخ: 29/03/2015 أبعادا واقعية هي :

1 ـ البقاء على قيد الحياة

2 ـ الصحة

3 ـ التربية

4 ـ التشغيل

5 ـ موارد العيش

6 ـ الحياة الكريمة

وما يبعث على الارتياح بالمملكة المغربية، أن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، عند اعلانه عن مشروع مجتمعي للبلاد والعباد، اعتمد خطة مندمجة موضوعية، أصبحت فيما بعد تعرف بأسمائها الخاصة، كالميثاق الوطني للتربية والتكوين، والخطـة الوطنيـة للتنـمية البشرية (2005) كمخطط أزور للسياحة (2008) ومخطط المغرب الأخضر للفلاحة (2010) خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان (2012/2017) ثم دستور (2011) وامتد المشروع المجتمعي للعناية بالجانب الديني من خلال مشروع اصلاح الحقل الديني، كما غطى الحقل القانوني من خلال مسلسل اصلاح القضاء، واهتم بمقاربة النوع من خلال مشروع “اكــــــرام” ومدونة الأسرة. كما التفت الى التحديث والعصرنة بإحداث مشروع المغرب الرقمي 2013، دون نسيان الوازع الأخلاقي بالتفكير في مدونة تخليق الحياة العامة، والخطة الوطنية لمحاربة الفساد.

ذلك الاجتهاد كان جديرا برفع المغرب الى مرحلة حضارية متقـدمة، الا أن الأمر ومع شديد الأسف ليس كذلك، لأن واقع الحال يبعث على القلق. ولهذا لم نعد نستكين الى مجرد الاعتراف بالفئات المهمشة من زاوية (الاحساس بالآخـر :l’Empathie) بل أصبح حتميـــا الانطلاق من الترافع.

وهنا لابد من التوقف قليلا، لماذا ترسم للمجتمع المدني حدود ظالمة لاتعترف بجغرافية الابداع، ولا بخرائط التوجيه، ولا بهندسة الشراكة في صناعة القرار؟

تطلق الجمعيات، دون تصنيف موضوعاتي، باطار قانوني عشوائي، وغير علمي يستنــــد الى تشريع الخمسينات مع لمسات ماكياج، لم تخف العيوب الحقيقية للنسيج الجمـعوي ويكفي أن نشير الى غياب التمويل، اذ تمكن الجمعيات السياسية والنقابات من المــــال العام وتفتح لها خزائن الدولة بسخاء. والى وجود فضاءات بعيدة عن متناول المنتخبين الذين يتحكمون بمصائر أنشطة الجمعيات، حيث يصعب على البعض منهم، التمييز بوضوح، بين الجمعية والمحلبة، حيث تفرض على الجمعيات حالة تشرد.

الندوب غير قليلة، ولكنها لن تقوى على ارادة صلبة، لشق طريق طويل وعر يقود الى درب الهداية. ولهذا انكببنا على مشروعنا المجتمعي لتلميع ما صدئمنه دون الالتفات الى سلبيات كل مرحلة من تاريخ بلد عريق يزخر بالكفاءات والطاقات التي تنور المجتمع.

ولقد تميزت الخطة الوطنية للتنمية البشرية بتحديدها لمعالم العجز الاجتماعي، من خلال الاقتصاد الاجتماعي، تلك المعالم التي تجلت في المحاور الثلاثة:

أ ـ الفقر

ب ـ الاقصاء

ج ـ الهشاشة القصوى.

ولكي يعمق التشخيص قال صاحب الجلالة في خطاب يوم 18 ماي 2005 [وانه لعهـد وثـيق يـجب أن نأخذه جميعا على أنفسنا ، لتكريس كل الجهود من أجل انــــتشال الفئات والجهات المحرومة من براثن الفقر والاقصاء و التخلف ، وتمكينها من الأخذ بناصية التـــقدم و تحقيق التنمية البشرية المستدامة ؛ باعتبارها المعركة الأساسية لمغرب اليوم و الــــــغد].

ولإبقاء باب التكوين المستمر مفتوحا، من أجل احاطة تامة بمفهوم “الاقصاء الاجتماعي“، عثرنا بقاموس المعاني (عربي/انجليزي) أن الاقصاء هو : التجريد ـ الحذف ـ الحرمان ـ العزل ـ المنع. و مفردة الاقصاء، أستعملت في ميادين عدة :

  • طبيـا : الاقصاء هو استشراف استبعادي  Exclusion .Chromatographie
  • تقنيا :هو اخراج الهواء وطرده من جسم مادي Exclusion d Aire
  • ماليا: استثناء أرباح الأسهم من الضرائب  Exclusiondévidende
  • قانونيا: هو الابعاد عن رقعة جغرافية Exclusion Légale
  • اجتماعيا: الحرمان الاجتماعي Exclusion Sociale

ومن منظور حقوقي، وحسب تعريف لجمعية عدالة الاقصاء الاجتماعي هو [وضع يجري فيه ابعاد أو نبذ فرد أو مجموعة نحو هامش المجتمع، وهو ناجم عن انعدام المساواة الاجتماعية وهو تجسيد لفشل الأجهزة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية (بما فيها المواصلات) في احاطة المجموعات المختلفة في المجتمع، ويؤدي هذا الوضع الى فصل المقصي من أجهزة المساعدة التي تتيح القدرة على المواجهة ].www.adalah.org.kayan-1.pdf

لم يعد التطرق لموضوع الاقصاء الاجتماعي ـ بعد أن كان مجرد حلم ـ موضوعا حقوقيا من حيث ارتباطه بحقوق الانسان، بل تطور كمفهوم اقتصادي صرف،لأنه أحد عوامل التنمية الاقتصادية، والسبب هو أن الكائن البشري، رأسمال لامادي. وهذا ما أكسب الانسان مكانته ليس في الادبيات فحسب، بل وفي صلب البرامج والمخططات الاقتصادية .

وأصبح التصريح الحكومي، يعتمد مقاربات متينة، تركز على الشق الاجتماعي/الاقتصادي الذي لاغـنى للسلطة التنفيذية عنه.

وكدليل على ذلك، ماجاء من توصيات خاصة بمحور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، في (خطة العمل الوطنية فـي مجـال الديمقراطية وحقوق الانسان) حيث جرى التركيز على أربعة توصيات أهمها :

  • حماية وتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية اعاقة .
  • حماية وتعزيز حقوق الأشخاص المسنين .

وهي حماية أصبحت تعرف ب{حماية الحقوق الفئوية والنهوض بها}  وأوكلت مهمة الفعل للعمل الجمعوي لينطلق الى جانب فاعلين آخرين من أجل تحديد الأهداف  التالية:

  1. تكريس الحقوق الفئوية في القوانين والمؤسسات .
  2. النهوض بدور المؤسسات من أجل ضمان الحقوق الفئوية
  3. ملائمة التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية ذات الصلة بالحقوق الفئوية.
  4. اعمال ثقافة المساواة ونبذ التمييز والتعصب والكراهية .

واسناد التفعيل للمجتمع المدني، لم يكن على سبيل التنويع، أو تقاسم الادوار فأشغال المناظرة الدولية 19 لحقوق الانسان التي انعقدت يوما 17و 18 أبريل 2014 بمراكش، تحت عنوان  “سلطات وسلطات مضادة، أية ديمقراطية لأي حقوق انسان؟” وانتهت الى أن جمعيات المجتمع المدني سلطات مضادة وسلطات موازية، أوكــل لها الاصلاح الضروري.

وحيث أن الاقصاء الاجتماعي يعادي الانصاف الاجتماعي، ويهدد التماسك الاجتماعي كما ترى فلسفة الخطة الوطنية للتنمية البشرية، وكما وزعت برنامجها وزارة التنمية الاجتماعية بالمغرب في أكتوبر 2005. فان الاقصاء الاجتماعي خطر على المشروع المجتمعي برمته، ولهذا لا بد من استيعاب فئة من المقصيين اجتماعيا مثل :

  • الأرامل والمطلقات و أبناء المتقاعدين والمتقاعدات.
  • المغادرين طوعيا الذين وجدوا صعوبة في اعادة الالتحاق بالوظيفة.
  • الموقوفون والمطرودون من مراكز عملهم.
  • مكفولو المتقاعدين.
  • المسنون وذوي الأمراض المزمنة أو الطويلة الأمد.
  • مكفولو الأمة .

وحيث أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، ومدونة التعاضد، وغيرهما من مؤسسات الحماية، لاتزال بعيدة جدا عن تحقيق الرفاه، وتشتغل في ظل تأمين  الحد الأدنى من العيش.

وبغض النظر عن النقد الايجابي الموجه للخطط الوطنية كافة، وخاصة الخطـة الوطنـية للتـنمية البـشرية (مناظرة جامعة الأخوين خلال شهر ماي 2014 بافران) وتقارير دولية، صادرة عن منظمات متخصصة، بعضها تابع للأمم المتحدة، كـــادارة الشؤون الاقتصادية و الاجتماعية للأمم المتحدة UNDESA حيث جاء المغرب في المراتب العشر الأخيرة، من حيث العناية بالمسنين. ومراكز مستقلة مثل :Global Age Watche Index 2015ـ هــــيـلـبايــدج ـ غلوبــال نيتوورك. التي تنتقد بشدة الأوضاع الاقتصادية والصحية التي تجعل المغرب ضمن أسوأ البلدان للمسنين.

وطبيعي أن يستقر المغرب اجتماعيا في ذيل صف الدول الافريقية، وهو يحتل الرتبة 97 من أصل 115 دولة، ديمقراطيا، من حيث الأداء البرلماني Global DemocracyRanking وهذا المعيار، وضعته منظمة غير حكومية بالنمسا وفق نظرية طورها جامعيون من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية. ذلك المؤشر الدولي، وان كان يشتغل بوتيرة علميـــة وضعتها منظمات عتيدة مثل : TransparencyInternational – Freedom House- Forum Economique mondial : Doing Business الا أنـه لن يخفي عنا مظهرا جـــد متطور للعولمة يقوم بتقليم أظافر دول في طريق النمو لغايات سياسية. وهو بذلك يكسبــنا الزخم الضروري والطاقة الاضافية لتجويد نوعية الحياة التي ننشدها داخل الوطن .

وبمراجعة الخطط الدولية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب القــرار رقم 106/45 بتاريخ 14/12/1990 بعد أشغال خطة عمل فيينا الدولية للشيخوخة لسنة 1982. ثم خطة عمل مدريد الدولية المتعلقة بالشيخوخة بتاريخ: 16/12/1991. فان المسن ببلادنا لا يزال خارج الاهتمام كليا. بل وأصبح مصدر نهب لمدخراته عن طريق التضريب غير المشروع. وتنضاف اليه حالة المرأة من حيث كونها أرملة، فالمرسوم رقم : 791-14- 2{15/01/2015} المحدد لشروط ومعايير الاستفادة من الدعم المباشـــــر للنساء الأرامل في وضعية هشاشة، ومبلغه، وطرق صرفه، مع تشكيل لجنة وزاريـة لتدقيق المرسوم المذكور. والذي جاء بتمويل وايعاز من البنك الدولي وادارة التعاون الوطني، هـو مشروع اجتماعي جاد به مشروع السنة المالية 2014. الا أن دمه توزع بين الوزارات بدل اسناد تدبيره للنسيج الجمعوي. فالمندوبية السامية للتخطيط أعدت احصاءات تعود الى سنــة 2013 يفرز أرقاما منها: نسبة النساء المهملات لأسرهن هي 7،9 من عدد النساء العاملات البالغة نسبة 6،17 في المائة من الساكنة النشيطة أي 662 ألف و853 أسرة. مما عجل بظهور صندوق التماسك الاجتماعي التي تدبره وزارة التضامن والمرأة والاسرة والتنميـة الاجتماعية، بغلاف ناهز سنة 2015 مبلغ 55،5 مليار درهم. والذي خصص للأشخاص في وضعية اعاقة، وهي بادرة ممتازة يسهر على تنفيذ ماليتها صندوق الايداع والتدبير (حسب) .www.madayara…و صناديق أخرى تولت احداها (الرميد) وزارة الصحة، وأخرى وزارة التربية الوطنية، وهكذا ينطلق التعثر. اذ يتم التعامل مع الجمعيات كمستفيدة. وبهذا يتم تحييد المجتمع المدني. ولم يتم التفكير في وضع تصور وطني لمجال الاعاقة الا سنة 2015، حيث رست اجراءات الحكومة على حزمة محدودة من التدابير هي :

  1. اعداد مخطط استراتيجي وطني في مجال الاعاقة
  2. نشر وتعميم نتائج البحث الوطني الثاني حول انتشار الاعاقة في المغرب
  3. توفير المعدات والمساعدات التقنية لصـالح الأشخــاص ذوي الاعـــاقة وتحسيــن ظـــروف الاستقبال والتوجيه والمساعدة التقنية
  4. تنظيم حملة عمومية للتوعية في مجال السياسـة العموميـة لتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة .

وما يلام عليه التصور إياه، هو الاكتفاء بالإعاقة البدنية والنفسية، بدل الاعاقة الاجتماعية وهو ما التفتت اليه منظمة الصحة العالمية oms التي رأت أن الاعاقة الاجتماعية هي عدم توافق المسنين اجتماعيا مع بيئتهم. وحسب نفس المنظمة الأممية، فالمصطلح يعني العجز والقيود على النشاط، وكل مقيدات المشاركة.

وبالنسبة للمنظمة الدولية للعاجزين، الاعاقة مشكلة اجتماعية، يكـمـن حـلـها فـي العمــل الاجتماعي بوصفه حقا من حقوق الانسان، لأن التمكين من أهم حقوق الانسان المتـــــعددة :www//aut.researchgateway.ac.nz

وحيث أن نسبة المسنين بالمغرب تفوق 10 بالمائة من الساكنة، وبحــــكم تراجع الدولـة كمشغل وعدم مساهمتها في صندوق التقاعد، وحيث أن اقصاء ممثلي المتــــقاعدين عــــــن مؤسسات التسيير من أسباب سوء تدبير صناديق التقاعد. وحيث أن منظمة الصحة العالمية، ترى أن عــدم التوافــق الاجتماعي للمسنين مع بيئتـهم يـعني العجز، والقــيود على الـنشـاط، ومقيدات المشاركة. وحيث أن المنظمة الدولية للعاجزين DPI تنادي بالتمكين لحل المشكلة الاجتماعية بالعمل الاجتماعي بوصفه حقا للانسان http://aut.researchgatway.ac.nz.

فان منظمات الرعاية الاجتماعية المعلولة، ترى نفسها معنية لكون منخرطيها على عتبة الاتـصاف بالمسنين، قريبون من الأمراض الفتاكة، ولهم مسؤوليات اجتماعية ينوء راتب المعاش عن حملها، فان هذا الورش مفتوح، للحفاظ على التماسك والسلم الاجتماعيين، في انتظار نتائج الاشتغال على النموذج التنموي الجديد.

عن الإدارة