بقلم محمد علمي عضو المجلس الوطني لحزب الديمقراطيين الجدد
إكمالاً لسلسلة المقالات التحليلية للوضع السياسي بالمغرب بعد انتخابات 2021 وتأثيرها على العمل الحزبي والممارسة السياسية والديمقراطية بالبلاد، نركز في هذا المقال على المؤسسة البرلمانية وبالضبط العارضة البرلمانية.
تعتبر المعارضة السياسية فعلا طبيعياً بغض النظر عن النظام السياسي السائد، وهي تتخذ عدة أشكال سواء معارضة ثورية أو شعبية أو احتجاجية… من خلال النقابات أو الجمعيات مثلا أو البرلمان، فهي تتماشى بشكل وثيق مع طبيعة النظام القائم، كما تعتبر المعارضة السياسية من مرتكزات الديمقراطية، تعمل على تتبع وتقييم عمل الحكومة بالإضافة لكونها قوة اقتراحية وتوجيهية خاصة من داخل البرلمان.
في المغرب، ومنذ الإستقلال وربما قبله، حاول النظام السياسي بالأخص المؤسسة الملكية احتواء المعارضة بشكل أو بآخر، سواء عبر الحوار أو المسايرة أو القمع أو غيرها من الأساليب التي في النهاية حققت النتائج المرغوبة بشكل كبير، وكما قال الدكتور نور الدين الحوتي “إن النموذج السياسي المغربي في إحتواء المعارضة السياسية يكاد يكون نموذجياً”.
حتى تجربة حكومة التناوب التي إستلزمتها الظرفية آنذاك، فبمجرد تمكن النظام السياسي من العبور لوضع أأمن حتى تخلى عنها بعدما دفع الحزب الاتحاد الاشتراكي للتخلي عن كثير من أهدافه إن لم نقل مبادئه، ما جعل الحزب يخسر كثيراً من مصداقيته وشعبيته وقوة خطابه وتحويله إلى مكمل للمشهد السياسي بعدما كان فاعلاً أساسياً فيه.
هي تجربة تكررت مع العدالة والتنمية المعارض لحدود 2012، الذي حملته أمواج الربيع العربي لترأس الحكومة، بمباركة من النظام السياسي الذي استغل الربيع العربي بشكل فائق الدهاء إن لم نقل المكر، حتى يسوق لنفسه كونه الضامن للاستقرار والمدافع الأوحد عن المواطن ويبرز المعارضة كونها مصلحية وبدون هوية أو مشروع.
لقد أثقن النظام السياسي لعبة الانتخابات خارج الصندوق، فبنظام الإقتراع وطريقة حساب الأصوات والتقطيع الانتخابي ضمن عدم قدرة أي حزب “معارض”، “إداري”، “مخزني” أو أي كان توصيفه أو تصنيفه، الحكم إلا من خلال تحالف يكون النظام السياسي عرابه ومهندسه.
تبقى انتخابات 2021 قمة التعبير عن هذا التحكم الملفوف بالحرير وذروة الأخطاء التاريخية على الأقل بعد دستور 2011، فإننا أمام برلمان تمثل “المعارضة” فيه ثلث المقاعد، لكن بتمعن سنجد أغلب الأحزاب المكونة لها لم تختر المعارضة وإنما أملتها عليها حسابات عددية وضرورة العمل الدرامي السياسي، وهو ما تأكد من خلال بلقنة المعارضة وأدائها الباهت والغارق في المحاباة، المتماهي مع توجهات الحكومة، البعيد عن مطالب المواطن وتطلعاته، فلا أحد يريد المقامرة بحقيبة وزارية مع تعديل حكومي محتمل.
إننا أمام معارضة تجتمع بدعوة رئيس الحكومة، ومع أداء الحكومة وضعف التواصل مع المواطن والخرجات غير المحسوبة لوزراءها فاقمة أزمة الثقة في العمل السياسي برمته وزادت من عزوف المواطنين خاصة الشباب في الإنخراط به، وهو ما تأكده عدة تقارير رسمية حديثة.
ينطبق على المعارضة السياسية قول شكسبير الشهير “أكون أو لا أكون” فإن غيابها أو وجودها غير المكتمل أمر غير صحي ويؤثر سلباً على الوضع السياسي، بل على الاستقرار السياسي فهي “الحلقة الوسط التي تمتص المطبات القوية بين السلطة والشعب” والصوت العقلاني للشارع، إنها شرط وجود وليس ترف.
ولكون المعارضة أمر طبيعي فإن تغييبها يفسح المجال لمعارضة راديكالية خارج المؤسسات ويمنحها الحجج والمبررات لتعزيز خطابها ويخلق لها حاضنة شعبية ولأفكارها، وهذا في النهاية سيضر بالمسار الديمقراطي والاستقرار السياسي والإجتماعي، بزيادة الإحتقان الشعبي والتفريط في القنوات البديلة، وفي عدم اخراج قيادات سياسية حقيقية قادرة على تولي المسؤولية بشجاعة وكفاءة.
السؤال المطروح، هل يدرك النظام السياسي هذه المخاطر؟ أم أنه لهيمنته على المشهد السياسي دخل في نوع من جنون العظمة؟