تدهور الثقة وتبخيس المؤسسات .. الى أين؟
إن المؤسسات لا تستمد قوتها فقط من سلطاتها أو قوانينها، بل من مدى إيمان المواطنين بها وبتفاعلهم الإيجابي مع أدائها. غير أن ضمان هذه الثقة يشكل إنذارا مبكرا لانهيار تلك المؤسسات، أو على الأقل، لاضطراب دورها الوظيفي في المجتمع.
تعد الثقة في المؤسسات إحدى الركائز الأساسية لاستقرار الدول وتماسك المجتمعات. سواء تعلق الأمر بالمؤسسات التشريعية, القضائية, الاقتصادية أو الإعلامية…إلخ.
لكن عندما تتدهور الثقة حين يشعر المواطنون بأن المؤسسات لم تعد تمثل مصالحهم أو تنتمي لهم، أو أنها أصبحت تخدم فئة معينة دون غيرها. ويتجلى ذلك في مظاهر متعددة من قبيل غياب الشفافية، ضعف المساءلة، تغول الفساد، أو تراجع الأداء والخدمات. أما عندما تتم مهاجمة المطالب الشعبية، ويقصى المواطن من دوائر القرار، تبدأ الفجوة في الاتساع بين المؤسسات والمجتمع.
وعليه، ننتقل من مرحلة التدهور إلى مرحلة الإنهيار حيث أنه لا يحدث فجأة، بل يمر بمراحل تدريجية تبدأ بتراجع المشروعية الشعبية، مرورا بضعف الفاعلية، وانتهاء بفقدان تام للثقة. في هذه الحالة، حتى لو بقيت المؤسسة قائمة من الناحية الشكلية، فإنها تتحول إلى هيكل فارغ من المعنى، تفقد قدرتها على التأثير أو اتخاذ قرارات حاسمة.
فعلى سبيل المثال، عندما تفقد السلطة القضائية ثقة المواطنين بسبب الفساد أو التسييس، تصبح أحكامها موضع تشكيك، وهنا يتم اللجوء إلى العدالة الموازية، مثل العرف أو القوة. كما عندما تفقد الثقة في البرلمان، يستبدل الحوار الديمقراطي بالمقاطعة و الاحتجاجات، وتتراجع المشاركة السياسية.
وفي ظل زخم المشهد السياسي الحالي، يبرز الإعلام كمثال لمؤسسة حيوية في هذا السياق. فمثلا عندما يتماهى مع السلطة بدل مراقبتها، أو يروج لمغالطاتها على حساب الحقيقة، يفقد مصداقيته.
وهذا الانهيار المعنوي للمؤسسات الإعلامية يفتح المجال للشائعات، وللمنصات غير الرسمية، مما يعمق مناخ الفوضى ويرسخ ثقافة التضليل.
إن استعادة الثقة تتطلب إصلاحا جذريا وسريعا. يبدأ ذلك من الاعتراف بالفشل الصريح، إلى تعزيز آليات الشفافية، وترسيخ دولة القانون عبر الامثثال للقواعد، وتوسيع دائرة المشاركة، وتجديد النخب.
كما أن المؤسسات مطالبة بالاقتراب من المواطن، والإنصات له والتواصل معه بالإضافة إلى تقديم نموذج إداري ومهني نزيه وواقعي وفعال، وبالشكل الذي يواكب التطور التكنولوجي في مجال التواصل من أجل إنقاذ ما تبقى , إن بقي, من الثقة.
إن العلاقة بين تدهور الثقة وانهيار المؤسسات هي علاقة سببية مباشرة. فالثقة لا تمنح مرة واحدة، بل تبنى يوما بعد يوم من خلال تفعيل المساطر وتنزليها التنزيل السليم لا بالتصريحات المغلوطة و تمويه الجمهور.
إن ضمان بقاء واستمرارية المؤسسات كفاعل محوري وأساسي في تحقيق الاستقرار هو الإسراع في ترميم هذه الثقة عبر خلق وإصلاح كل المسببات المذكورة سلفا المؤدية للإنهيار.