الرئيسية » أخبار الحزب » تأسيس منظمة المرأة الديمقراطية الجديدة ببنسليمان وفروع محلية لها بكل من بنسليمان بوزنيقة مليلة وفضالات
مسجد

الحقل الديني في المغرب: بين نموذج التوازن و نموذج الفراغ القيمي

بقلم صوفيا ضريف

يعود الجدل حول الحقل الديني في المغرب إلى الواجهة كلما برزت قضايا كبرى تمس الهوية أو الحريات الفردية والجماعية أو عند محاولة بعض الأطراف تسييس الدين. والحقيقة أن هذا الحقل ليس مجرد مجال تنظيمي تديره وزارة الأوقاف، بل هو عمق استراتيجي يحدد معالم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الأصالة والحداثة.

إن المغرب اختار لنفسه منذ قرون مسارا واضحا: المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني، تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين.

هذا الاختيار لم يكن صدفة، بل هو تعاقد تاريخي حافظ على وحدة المغاربة وجعلهم محميين من مخاطر الانقسام المذهبي والطائفي. كما أشار إلى ذلك الباحث محمد ضريف في كتابه “الدين والسياسة في المغرب”, فإن إمارة المؤمنين هي الضمانة التي منحت للنظام السياسي شرعيته، وللمجتمع توازنه.

لكن السؤال اليوم: هل يكفي هذا الإطار التاريخي لمواجهة تحديات الحاضر؟ لأن واقع الشباب المغربي، على سبيل المثال، لا تكفيه خطب وعظية تقليدية كل جمعة لا تلامس همومه اليومية. هؤلاء الشباب يبحثون عن خطاب ديني يتحدث عن العدالة الاجتماعية، المساواة، الحرية، كيفية التعايش, البيئة والتكنولوجيا أيضا. لذلك من هنا يفرض التحدي نفسه: كيف يمكن تجديد الخطاب الديني ليبقى مرتبطا بثوابت الأمة دون أن ينفصل عن إشكاليات العصر؟

لقد شدد المفكر عبد الإله بلقزيز في مؤلفه الدين والدولة في المغرب: جدلية الاستمرار والتحول (2017) على أن الحقل الديني لم يعد شأنا فقهيا محضا، بل بات مجالا متشابكاً مع السياسة والمجتمع والثقافة وهو ما يؤكده أيضا المفكر “عبد الإله بلقزيز في مؤلفاته.

وهذا يعني أنه يتم اعتماد مقاربة تشاركية للنقاش حوله يشارك فيها الجميع: العلماء، المثقفون، الفاعلون الحقوقيون، الشباب والنساء، بدل أن يبقى حكرا على المؤسسة الرسمية وحدها.

من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أن أخطر ما يهدد الحقل الديني هو تسييسه.(أظنه هذا ما يقع اليوم مع جدل الزاوية البودشيشية), فحينما تتحول المساجد إلى منابر حزبية، أو يستغل الدين في الانتخابات، نفقد قدسية الدين ونجره إلى صراع يومي والحال أن حماية الدين من التوظيف السياسي شرط أساسي لبقاء مرجعيته موحدة وجامعة.

إلى جانب البعد الداخلي، لا ينبغي أن ننسى أن المغرب لعب دورا إقليميا في ما يسمى بـ”الدبلوماسية الدينية”. فمعهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، حسب تقرير وزارة الأوقاف الصادر سنة 2021، جعل من التجربة المغربية مرجعا لدول إفريقية تبحث عن نموذج معتدل ومتوازن. وهذا الدور الخارجي يفرض علينا مسؤولية أكبر في الحفاظ على تماسك حقلنا الديني وتطويره.

وأخيرا وفي رأيي المتواضع الذي لا يلزم أحدا:

أقولها بوضوح: النقاش حول الحقل الديني في المغرب لم يعد ترفا، بل ضرورة تاريخية لاستكمال الصيرورة.

لكن هذا النقاش يجب أن يكون منطقيا و هادئا و بعيدا عن المزايدات السياسية. يجب أن ننطلق من ثوابتنا، وأن ننفتح في الوقت نفسه على أسئلة مجتمعنا وعلاقتها بقيم العالم المتقلبة.

إن المغرب اليوم أمام فرصة: إما أن يظل نموذجا في التوازن بين الأصالة والحداثة، أو أن يصير نموذجا للفراغ القيمي. والاختيار، في النهاية، هو مسؤوليتنا جميعا.

عن الإدارة