الرئيسية » أخبار الحزب » نصر من الله وفتح قريب
المجلس الوطني للصحافة

من حلم “التنظيم الذاتي” إلى جدل “اللجنة المؤقتة”

صوفيا ضريف

إن الجسم الصحفي المغربي يعيش، اليوم، واحدة من أدق مراحله المفصلية، حيث يتقاطع الطموح الدستوري لتنظيم قطاع حر ومستقل مع واقع مهني واقتصادي متأزم.

إن رحلة الصحافة المغربية نحو “التنظيم الذاتي”  لم تكن مجرد إجراء إداري، بل كانت رهانا مجتمعيا بدأ مع دستور 2011، واصطدم اليوم بواقع “المرحلة الانتقالية”.

 في البدايات، شكل التأسيس القانوني لحلم “التنظيم الذاتي” منعطفا حاسما بتنصيصه كنقطة ثالثة في الفصل 28 من دستور 2011: “تشجع السلطات العمومية على تنظيم قطاع الصحافة بشكل مستقل وديمقراطي، ووضع القواعد القانونية والأخلاقية الخاصة به” . وتجسد هذا الطموح فعليا مع صدور مدونة الصحافة والنشر سنة 2016، التي ألغت العقوبات السالبة للحرية (نظريا في قانون الصحافة) ومهدت الطريق لتأسيس مؤسسة منتخبة من المهنيين.

في سنة 2018، خرج المجلس الوطني للصحافة إلى الوجود كأول تجربة مكتملة الأركان للتنظيم الذاتي في تاريخ المغرب، بانتخابات مباشرة من الصحفيين والناشرين. كانت الآمال معقودة عليه ليكون “محكمة شرف” تطهر المهنة من الدخلاء، وتضمن الأخلاقيات، وتدافع عن حرية الصحافة بعيدا عن وصاية وزارة الاتصال.

وبعدها، شهدنا مرحلة “البلوكاج” أي نهاية الولاية وأزمة التجديد ، حيث رغم المكتسبات التي حققها المجلس في ولايته الأولى من منح البطاقة المهنية والوساطة وتقارير الحريات، إلا أنه اصطدم مع نهاية ولايته بأزمة قانونية وسياسية حادة، تمثلت في عجز الجسم الصحفي عن تنظيم انتخابات جديدة لتجديد الهياكل، ودخول القطاع في حالة من الجمود.

لقد تعددت القراءات لأسباب هذا الفشل، حيث يحتج المهنيون عن وجود ثغرات في القانون المنظم للمجلس جعلت من الصعب إجراء انتخابات شفافة في ظل واقع مهني مشتت. في حين أن قراءة المنتقدين ترتكز حول غياب الإرادة الحقيقية لدى بعض الأطراف الفاعلة للحفاظ على الآلية الديمقراطية المتمثلة في الانتخاب وتفضيل التعيين أو التوافقات “الفوقية”.

ومابين سنة 2023 وسنة 2024، عايش قطاع الصحافة أزمة “اللجنة المؤقتة” وجدل الوصاية حيث بدلا من تعديل القانون والدعوة لانتخابات فورية، اختارت الحكومة في 2023 حلا أثار جدلا واسعا تمثل في تجميد المجلس الوطني للصحافة واستبداله بـ”لجنة مؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر”.

إن هذا التحول خلق انقساما حادا في المشهد الإعلامي، حيث برز تياران:

– تيار “الإنقاذ والإصلاح” الذي تمثله الخكومة وجزء من التاشرين وهو مقتنع أن القطاع يعيش “هشاشة اقتصادية وفوضى مهنية” تتطلب تدخلا جراحيا عاجلا عبر لجنة معينة لترتيب البيت الداخلي قبل العودة للانتخابات. وقد طرحت اللجنة في يوليوز 2025 خارطة طريق تركز على “تحصين شروط الولوج للمهنة” وربط الدعم العمومي بالهيكلة القانونية للمقاولات.

– تيار “الردة الديمقراطية” الذي تجسده نقابات وفدراليات وناشرون مستقلون، وهو يعتبر أن تعيين لجنة حكومية هو “سطو” على حق الصحفيين في اختيار ممثليهم، وعودة غير مباشرة لوصاية الإدارة على القطاع، مما يضرب في الصميم مبدأ “التنظيم الذاتي” المستقل.

أما اليوم، نعيش تحديات تعكس ديناميات متناقضة في الساحة الإعلامية في المغرب: 

 – على الصعيد التشريعي يتم تداول  مشاريع قوانين جديدة (كمشروع 26.25) تهدف لإعادة هيكلة المجلس بشكل دائم، وسط مخاوف من تكريس هيمنة “أرباب المقاولات الكبرى” على حساب الصحفيين المهنيين وصغار الناشرين.

– على الصعيد الدولي: سجل المغرب تحسنا طفيفا في تصنيف “مراسلون بلا حدود” لعام 2025 (الرتبة 120)، إلا أن التقارير لا تزال تشير إلى بيئة صعبة للممارسة الصحفية المستقلة، مع استمرار التحديات الاقتصادية والقانونية.

إن المعركة اليوم لم تعد فقط سياسية، بل مهنية بامتياز. هناك إجماع على أن الجسم الصحفي يعاني من “تزييف” و”تمييع” بسبب طغيان “صحافة البوز ”  وإقصاء وتهميش المهنيين وكذا غياب النموذج الاقتصادي المستدام للمقاولات الجادة، مما يجعل الدعم العمومي أداة قوية للتوجيه والضبط.

 المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تنجح “اللجنة المؤقتة” في وضع أسس قانونية واقتصادية صلبة تمهد لعودة مجلس منتخب أقوى وأكثر استقلالية، أو أن تتحول “المرحلة المؤقتة” إلى وضع دائم يفرغ التنظيم الذاتي من محتواه الديمقراطي.

ويبقى الثابت الوحيد هو أن الجسم الصحفي المغربي يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعاقد جديد يوازن بين “حرية المبادرة” و “المسؤولية المهنية”، بعيدا عن منطق التحكم أو الفوضى.

عن الإدارة