بقلم محمد علمي عضو المجلس الوطني للحزب
تأثرت كالعديد بثلاثية الفيلم Matrix الذي يتكلم عن حرب بين البشر و الآلات التي سيطرت على الأرض و أدخلت البشر في واقع وهمي مخالف للواقع الحقيقي حتى تستغلهم كمصادر طاقة. يطرح الفيلم اشكاليات فلسفية و يتوقع مستقبل قاتم بسبب تطور الذكاء الاصطناعي، لكني أعتبره وصفاً دقيقاً للوضع الحالي للعالم، فجوهره هو مجموعة تستغل مجموعة من خلال الوهم و تشويه الحقيقة و وضع قواعد هي وحدها قادرة على خرقها.
و بالرجوع للعالم الذي نعيش فيه، هل حقاً ندرك واقعه الحقيقي أو واقعه المفبرك و المتأرجح بين التفاؤل الوردي و التشاؤم الأسود، قمة الاعتزاز بالذات و قعر الانهزام و جلد الذات. هل حقاً أمريكا هي أعظم أمة في العالم و شرطي العالم و حامي الديمقراطية كما تسوق لنفسها و للشعب الأمريكي؟ هل حقاً فرنسا دولة الحرية و المساواة و التآخي و رسول اللائكية؟ هل العالم العربي متخلف و رجعي و شعوبه جاهلة؟ هل أرقام البنك الدولي نزيهة و خططه للتنمية بريئة؟ و حتى داخل الدولة، هل تعكس المؤشرات الاقتصادية و معدلات النمو واقع المواطن البسيط؟
إننا أشبه بزورق صغير بمجداف واحد وسط بحر إعلام متلاطم القنوات و البيانات، إعلام مُوجَهٌ مُوَّجَهٍ، يركز على السبق قبل الحدث و على الاستعراض بدل العرض… و مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي و تطور لوغارتميات الذكاء الاصطناعي أصبح أكثر سهولة التحكم في الرأي العام، و هذا غير مرتبط بمجتمع معين. مثلاً توجيه الرأي العام الأمريكي لقبول الدخول في الحرب العالمية الأولى و حرب الفيتنام و حرب العراق… نجاح ترامب في الانتخابات أمام هلاري… إشعال ثورات الربيع العربي و الثورات المضادة أو “المصححة”…
بقليل من التأمل سنجد أنفسنا داخل مصفوفة ضخمة أمام “مورفيوس” و بيده حبة زرقاء تجعلنا بقبل بالوهم و نسلم بكل شيء، و في اليد الأخرى حبة حمراء تفتح أعيننا على الواقع بحقيقته و قسوته.
في نهاية الفيلم أقصى ما يحققه البطل بعد صراع و تضحيات هو ضمان القلة ممن اختاروا الحبة الحمراء في الوجود و العيش في جحور مظلمة، و في هذا رسالة بليغة لمن يتفكر.