الرئيسية » أخبار الحزب » عقد اجتماع للمجلس الوطني يوم السبت 23 نونبر 2024

المغرب والتحولات الجيوسياسية (2)

بقلم ذ. محمد علمي / عضو المجلس الوطني لحزب الديمقراطيين الجدد

بمناسبة ذكر السعودية وروسيا في (الجزء 1) حيث بدأت بينهما لعبة تكسير العظام التي باركها ترامب في البداية واعتبرها بمثابة تخفيض للضرائب على الأمريكان، تحولت لتكسير عظام منتجي النفط الصخري الأمريكي فتفاقمت مشاكل الاقتصاد الأمريكي، فلم يكن أمامه الا الهروب للأمام، لمواجهة مشاكل الاقتصاد والانقسام الداخلي غير المسبوق والذي كان آخر حلقاته تهديد مجموعة من حكام الولايات الفيدرالية، على رأسهم حاكم ولاية نيويورك بعصيان أوامر ترامب في رفع قيود الحجر الصحي واتهامهم له بعدم الكفاءة والإكتراث للمواطن خاصة بعد إهماله لتقرير استخباراتي منذ شهور حذر من خطر الفيروس.

اختار ترامب إطلاق حملة اتهامات حول مسؤولية الصين في صناعة الفيروس، كما زاد من العقوبات على إيران وهدد بتدخل عسكري ضدها وضد حزب الله العراقي، دفع الأمين العام للقول:” إن العلاقة بين القوى العظمى لم تكن أبداً مختلفة بهذا الشكل”، أما الصين الكتومة والوفية لسياسة ” الأخ الكبير”، ظهر أنها تنين بألف رأس وبدل طريق الحرير مدت ألف طريق يربطها بكل القارات، قابلت سياسة ترامب “أمريكا أولاً” بسياسة اليد الممدودة فساعدت أكثر من 89 دولة أبرزها إيطاليا، مما ينقلنا للإتحاد الأوربي الذي كان كل شيء ما عدا اتحاد.

لقد بدأ تصدع الإتحاد يظهر منذ الأزمة الاقتصادية وتعامله القاسي مع اليونان، ثم عجزه عن الرد على احتلال روسيا جزيرة القرم وتدخلها في السياسة الداخلية لأوكرانيا الدولة العضو في الإتحاد، كذلك ضعفه في التأثير في القضايا الدولية كسوريا وليبيا وإيران، دون أن ننسى رضوخه لضغوط ترامب التجارية والبريكسيت… لتأتي كورونا القشة التي قصمت ظهر المرأة العجوز، فتكورت كل دولة على نفسها وأغلقت حدودها وغاب التعاون والتنسيق، لتأتي المساعدات من خارج حدود الإتحاد من الصين وروسيا وفنزويلا… حيث استبدل غاضبون أعلام الإتحاد الأوربي بعلم الصين كما حدث في إيطاليا، مما دفع البعض بالتصريح أن الإتحاد أظهر عدم جاهزيته وعجزه وجبنه فضلاً عن تردده على نحو صارخ.

على المستوى الإفريقي حيث رجحت منظمة الصحة العالمية أن تكون أكثر القارات تأثراً، من الصراعات المشتعلة كليبيا، أما حراك الجزائر الذي أخمده الحجر الصحي مرشح للعودة وبقوة إذا فشلت الدولة في التعامل مع الجائحة.

كل هذا وغيره يقودنا لسؤال يهمنا:” أين المغرب من هذه التحولات ؟”.

إن المغرب بموقعه وعلاقاته وتاريخه جزء من هذا العالم يؤثر ويتأثر به، لكن عالم اليوم أصبح رخواً وغير مستقر ومتعدد الأقطاب وحائر البوصلة ويشهد صراع حول الزعامة وسائر نحو الانغلاق.

المغرب وسط هذا الاختلال في التوازنات الجيوسياسية أصبح ملزماً بالإضافة لمواجهة الجائحة وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية داخلياً، إلى إعادة النظر في كل سياسته الخارجية وتحالفاته، ذلك أن العالم بعد كرونا لن يكون كقبلها، وتبقى القاعدة الذهبية في السياسة “لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة” ومن أكثر النقط التي يبتز منها المغرب هي قضية الصحراء المغربية.

بالعودة سريعاً للساحة الدولية، سنجد أن الإدارة الأمريكية التي احتاج المغرب لسنوات حتى كسر الجمود معها أصبحت منشغلة بمشاكلها المتراكمة، ومع قرب الانتخابات التي من الصعب تحديد نتائجها والتي قد تدفع المغرب بالعودة لنقطة الصفر في التعامل معها، أما الصين ذلك الغول الاقتصادي الطامع في أسواق إفريقيا فموقفه من قضية المغرب غير ثابت ومبهم، مثل روسيا والتي رغم المجاملات الدبلوماسية تبقى أقرب لزبونها الدائم والسخي الجزائر.

عربياً وبعد تموقف المغرب من حصار قطر وانسحابه من حرب اليمن ودعمه حكومة السراج، أصبح يعتبر ولو بشكل مبطن عدو حلف السعودية، الإمارات، مصر، هذا التحالف ومع عداوته لكل أشكال الحراك، أكيد أنه سيدعم النظام الجزائري ضد المغرب.

أما أوروبا والتي ستخرج من هذه الأزمة منهكة وربماً مفككة وقد يضطر المغرب إلى إعادة إبرام الاتفاقيات التجارية مع كل دولة على حدة مع ما يحمله الأمر من استعمال أوراق الضغط، حتى فرنسا الحليف التقليدي للمغرب خاصة في مجلس الأمن، فمكانتها وقوة تأثيرها أصبحت محط شك في نظام عالمي جديد غير واضح المعالم بعد.

رغم كل هذه الضبابية فقد فطن المغرب بقيادة الملك محمد السادس للوضع الدقيق وبدأ في نهج أسلوب ذكي باعتماده إجراءات استباقية لمواجهة كورونا ما سيخفض نسبياً تأثيراتها الاقتصادية وبالتالي تبعيته للإملاءات الخارجية، بالإضافة إلى التنسيق على أعلى المستويات مع فرنسا وإسبانيا لمكافحة الجائحة ومد يد المساعدة لإيطاليا وغيرها.

اقتراح محمد السادس لمبادرة إفريقية لمواجهة كرونا بالتعاون مع الكوديفوار والسنغال للاستفادة من الخبرة المغربية، ما يزيد من اختراق العمق الإفريقي الذي طالما دعم أعداء الوحدة الترابية للمملكة خاصة في فترة الكرسي الفارغ، وسيمكن أيضاً المغرب من تقديم نفسه كبوابة وقاعدة لا محيد عنها لدخول السوق الإفريقي وهي ورقة قوية يمكن استثمارها لصالحه.

إن المرحلة التي يمر منها العالم والمغرب ستكون صعبة والقادم أصعب، لكن المهم هو تعلم الدروس وإصلاح الإختلالات واغتنام الفرص وهذا يحتاج لسياسة حكيمة رزينة وفطنة.

“كورونا” لن تقصم ظهر المغرب بل ستقويه إن شاء الله.

عن الإدارة