الرئيسية » الرئيسية » حزب الديمقراطيين الجدد يطلق مشروع 1000 قيادي بجهة فاس مكناس

“المشهد السياسي بالمغرب، الثابت والمتحول”

معاد اهليل

   لاشك أن المتتبع للمشهد السياسي بالمغرب، يلاحظ أن هناك حراكا سياسيا نوعيا، يدل على أننا إزاء التحول والتغير. غير أن تتبع واستقراء تاريخ المشهد السياسي المغربي، يبين أن المتغير في المغرب سياسيا، يكاد يصير ثابتا، لصعوبة التمييز بينهما. وذلك أن الحلول التي تقدم من أعلا سلطة أو من الفاعلين السياسيين، والتي يعتقد أنها ستشكل متغيرات، سرعان ما يُسْتَشفُّ أنها ثابت ضمن ثوابت أخرى. فالثابت في تاريخ المغرب، أن الخطاب السياسي، منذ الاستقلال إلى الآن، يتحدث بشكل دائم عن الأزمة بالمغرب، وعلى صعيد مستويات كثيرة تطال كل الخيارات. وعندما تشتد الأزمة تُقَدَّم الحلول التي يعتبرها المغاربة متغيرات، غير أنها سرعان ما تركن إلى الثوابت.

    إن ما يساعدنا منهجيا على الفصل بين الثابت والمتحول، هو نجاح الحلول المقترحة كمخرجات للحد من الأزمة، وهو ما لم يتحقق. فالحلول التي اقتُرحت الآن في سياق فشل النموذج التنموي، هي نفسها الحلول التي اقتُرِحت، كالتعديل الحكومي، وتشكيل لجنة. فمثلا منذ الاستقلال ونحن نتحدث عن أزمة التعليم في المغرب وعلى رأس ذلك إشكال لغة التدريس، هل ندرس باللغة الأجنبية؟ وكذا إشكال مجانية التعليم. فالأول نقاش شهده المغرب في أواخر الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وها نحن نعيشه مرة أخرى، بعد مصادقة البرلمان على القانون الإطار للتربية والتكوين. وبالتالي، فما كان يقال منذ نصف قرن يعاد إنتاجه من جديد. فهل سيكون القانون الإطار متغيرا؟ وهذا يجعلنا أمام سؤال جوهري، أين الثابت وأين المتغير؟ وهل القانون الإطار متغير سيساهم في حل هذه الإشكالات؟ هذا وقد أعرب الكثير من الخبراء عن تنبؤاتهم بفشل هذا القانون؛ لأن الإشكال في المغرب، ليس مرتبطا بإحداث القوانين، فالقوانين أحيانا تكون جد متقدمة، في حين أن الإشكال يكمن في صعوبة تنزيلها على أرض الواقع. وهذا يعني أننا دائما نبحث عن وسائل لتدبير الأزمة، ولا نبحث عن حلول جذرية. والأمر نفسه ينطبق على نقاش مجانية التعليم، الذي يطفوا من جديد على الساحة السياسية.

   إن المغرب حريص على إيجاد نموذج تنموي مغربي مغربي، وليس خارجيا، مع العلم أن النماذج التنموية في العالم، لا تتعدى نموذجا أو نموذجين. ومن أجل ذلك طلب مجلس النواب من المجلس  الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وضع تصور للنموذج التنموي الجديد، انطلاقا من توظيف “المقاربة النيابية” التي لم يتم تحديد تعريف لها إلى الآن. وبعد صدور التقرير في يناير 2019، بدا هذا الأخير غامضا، ولا يُكاد يفهم منه شيء؛ لأنه قدم كلاما عاما بعيدا عن الحكامة المؤسساتية، التي يحتاجها البلد. فجاء التقرير بصيغة غامضة تحتاج إلى الشرح. وهو ما يجعل الأمر يبدو وكأن خبراءنا أصيبوا بعقم على مستوى إنتاج الأفكار. كما يلاحظ أيضا أنه منذ الاستقلال، والحكومات المتعاقبة تتحدث عن شيء ثابت مركزي، ألا وهو “الأزمة”، مع العلم أن الممارسة اليومية تدل على أننا لا نعيش أزمة. وبالتالي نطرح السؤال الآتي: هل يعيش المغرب فعلا أزمة حقيقية أم أنها غير حقيقية؟ وهل توظف الأزمة كخطاب لضمان الاستقرار؟ وعليه، هل يتم رهن المغاربة بهذا الخطاب؟ إن الجواب بالإيجاب، يعني أن سقف الطموحات والمطالب في ظل الأزمة، سيظل محدودا، بخلاف ما إذا كنا في وضع عادٍ، فسقف الطموحات والمطالب سترتفع نحو ما هو أكثر، وخصوصا على المستوى الاجتماعي. ومن نماذج ذلك أن يطالب الشباب حاملي الشهادات بعمل، حتى وإن كان مجردا من الامتيازات الطبيعية.   

   إن السير نحو أفق المتغيرات، يقتضي أن نقف عند بعض المعطيات. فطموحات المغاربة عندما صوتوا لصالح دستور 2011 (تنص ديباجته على إقامة دولة ديمقراطية حديثة)، كان هو الانتقال إلى دولة ديمقراطية حديثة،  ومعلوم أن الخيار الديمقراطي يرتكز على ثلاثة أسس:

1- استقلالية القضاء؛

2- وجود أحزاب سياسية حقيقة؛

3- انتخابات تنافسية، متحررة من الدين والمال.

   هذا ناهيك عن مطلبين رئيسين يجب على الدولة انتهاجهما في سبيل تحقيق دولة حديثة ديمقراطية، وهما تصالح السلطة مع المواطن، وتقديم أمثلة زجرية تجسد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.

   وختاما يتضح أن قدر المغاربة أن يظلوا حبيسي الثابت، بحيث إنه كلما طُرح متغير، يُتوسَّم من خلاله الانتقال إلى حال وواقع أفضل، إلا وتحول هذا المتغير إلى ثابت. كما يجب تسطير أهداف تتناسب والوسائل المتوفرة، لأنه جرت العادة أن تطرح أهداف طموحة جدا، غير أنها تصطدم بمحدودية الوسائل، التي لا ترقى إلى مستوى التنزيل على أرض الواقع؛ فيستمر المغاربة في غيابات الثابت.

عن الإدارة