الاستاذ : محمد علمي / عضو المجلس الوطني لحزب الديمقراطيين الجدد
أثار إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عبر وزير الخارجية مارك بومبيو أنها لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي ردود واسعة، فقد أعتبرت شرعنة للاستيطان و خرق للمعاهدات الدولية خاصة معاهدة جنيف الرابعة.
الأمر ليس غريباً عن إدارة ترامب بل هو استمرار لسياستها في دعم الكيان الصهيوني سواء الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل و نقل السفارة لها أو وقف مساعدات الأونروا أو غيرهما، و كل هذا في إطار “صفقة القرن” أو “صفعة القرن” كما يطلق عليها الفلسطينيون. لكن الغريب هو هذا التحول في الموقف الرسمي الامريكي، فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت السند القوي لإسرائيل، إلا أنها حاولت الحفاظ،. إن رسمياً، على نوع من اللباقة الدبلوماسية ومحاولة لعب دور الوسيط المحايد، لكنها الآن و مع ترامب تبنت التصور الإسرائيلي بشكل صريح وفاضح.
هذا الخروج للضوء لم يكن أمريكيا فقط بل وعربيا و بالتحديد خليجيا. فمع خروج تسريبات تأكد حصول تعاون عسكري و استخباراتي بين بعض دوله و إسرائيل و بداية تبادل زيارات وفود رياضية أو اقتصادية و حتى على أعلى المستويات كزيارة نتنياهو لعمان، ظهرت أصوات مقربة من السلطة تنادي بالتطبيع الكامل و اعتبار إسرائيل دولة صديقة و شريكة لا يتوجب أن تقف القضية الفلسطينية عائق لهذه العلاقة.
كانت هذه المواقف صادمة للشارع الفلسطيني و العربي عموما ،إن سياسات دول الخليج، خاصة بعد انطلاق الربيع العربي، عرفت تحولات كبرى و استقطابات متنافرة أحياناً، تحركها بشكل رئيسي ثلاث دول بقيادات شابة و بأهداف و طموحات مختلفة، قطر تميم و إمارات ابن زايد و سعودية ابن سلمان ،المشكل أن رؤية هذه الدول انعكست في سياساتها الخارجية لتبدأ بشكل مباشر أو غير مباشر بالتأثير في محيطها العربي كاليمن و سوريا و لبنان و العراق و مصر و ليبيا و محاولات اختراق لثورة تونس و حراك الجزائر.
الأكيد أن المغرب بموقعه و ثرواته و تاريخه و ووزنه الإقليمي لن يكون خارج حسابات هذه الدول.
وسط هذا التحول في شكل العلاقات التاريخية و التغير في السياسات و مواقف و تخطي العديد من الخطوط الحمراء و فرض ضرورة التموقع، إما مؤيد صريح أو عدو معلن، إضافة إلى التدخل في الشأن الداخلي و استغلال ملفات حساسة… أصبح لزاما على المغرب مضاعفة حكمته و احتياطاته على مستوى السياسة الخارجية، لكن يبقى الأهم للوقوف ضد أي إختراق أو إكراه أو ابتزاز هو تقوية جبهته الداخلية خاصة في الناحية الاجتماعية و الإقتصادية.
إن تحقيق العدالة الإجتماعية و صيانة كرامة المواطن و تقليص الفوارق الطبقية سيعزز شعور الأمان و الإنتماء و يقوي روح الوطنية و الثقة في مؤسسات الدولة. كما أن قوة الإقتصاد لا ينعكس إيجابا على المواطن فقط بل كذلك في نسج علاقات و إنشاء مصالح متبادلة مع دول أخرى تدخل في البعد و العمق الاستراتيجي.
إن تقوية الجبهة الداخلية يتطلب استنفار كل الفاعلين داخل البلاد، فبعد أن دشن الملك فصلا جديدا في العلاقات الإقتصادية مع الدول الأفريقية و إطلاق ورشات كبرى إقتصادية و اجتماعية على المستوى الوطني، صار لزاما على الحكومة تطوير أدائها و زيادة فعاليتها و نجاعة قراراتها ، كما أن للأحزاب دور مهم ومهم جداً من خلال تأطير المواطن و تكوينه و الترافع عنه و الدفاع عن حقوقه و تحولها أيضاً لقوة اقتراحية حقيقية و واقعية و بفسح المجال للطاقات والكفاءات الشابة للتعبير و القيادة.
لم يعد الوضع يسمح بالمزيد من التراخي و إهدار الوقت و الموارد و الفرص أو الأنانية و المحسوبية،فاستقرار البلاد ومستقبل أبنائنا مسؤوليتنا جميعاً، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته