بقلم محمد علمي عضو المجلس الوطني
قبل بضعة أسابيع أثار قميص المنتخب الجزائري جدلاً واسعاً، وأعتقد أنه جدال في ظاهره أخذ أكثر مما يستحق، لكنه في عمقه لم ينل ما يستحق خاصة من طرف المغاربة عموماً ومن الحكومة خصوصاً.
يعتبر البعض أن الزليج أو الفسيفساء بتواجده بعدة حضارات كابابليون والرومان مثلاً فلا يحق لأحد احتكاره، صحيح، لكن هل الزليج الفاسي هو الزليج الفارسي؟ أكيد لا، لكل بصمة تجعله متفرداً، تلك هي بصمة التراث الحضاري لكل بلد، تراث تشكل عبر سنوات وربما قرون من التراكمات وتقاطع وتدافع حضاري وثقافي، كالجبال التي تنحتها عوامل التعرية المختلفة لتشكل في النهاية جبلاً متفرداً عن غيره وإن امتلأت الأرض بالجبال.
الأمر أكبر من زليج وقميص، فالفعل الجزائري ليس استثناء أو معزول. فالنظام الجزائري وبشكل ممنهج يحاول سرقة التراث المغربي كالقفطان والكسكس والتبوريدة والطرب الأندلسي وغيرها، وعند فشله يلجأ للتبخيس والهجوم عليه، كقول الرئيس السابق بوتفليقة متهكماً بأن المغاربة يبعثون لنا جلابة وبلغة ويأخذون البنزين.
إن نظام الجزائر يدرك تماماً أن من قوى المغرب ومن ركائز استقراره هو البعد التاريخي كأمة بذاتها لأكثر من 12 القرن، وهو بُعد يستمد منه النظام الحاكم جزء من شرعيته. وهي أمور يفتقدها النظام الجزائري ويدرك ذلك، فيحاول الاستيلاء على التراث المغربي وتحجيمه ويخلق قطيعة بين مستقبل المغرب وتاريخه وبالتالي تجاوز ما يحدثه هذا من عقدة النقص ويضعف أحد نقاط قوة المغرب.
إن الحرب الثقافية هي حرب طويلة الأمد باردة النيران. لا يمكننا الجزم في نوايا النظام الجزائري وقدراته على المدى البعيد، لكن التاريخ علمنا أن العديد من الدول تذرعت بالروابط الثقافية ولو مزورة لتقتطع أقاليم وتشعل حروب.
لقد كان رد فعل الحكومة سريعاً نوعاً ما، لكن ما هكذا نحمي تراثنا، ولا حتى بتوثيقه وإدراجه لدى المؤسسات الأممية فقط بل الأهم هو تعزيز حضوره في المؤسسات العمومية، في إعلامنا، برامج، الأخبار والإشهار… فالتراث المغربي غني ومتنوع، والأهم هو تعريف الجيل الجديد على غنا تراثهم وجعلهم يفتخرون به خاصة عبر المدرسة. وفوق كل هذا فإن لهذا التراث نساء ورجال يحملونه ويصونونه من صناع وحرفيين وفنانين وغيرهم ممن داستهم الحضارة المستوردة حتى شارفوا على الانقراض، إنهم الشعلة التي إذا انطفأت فيستحيل نقل المشعل للجيل القادم.
اكتشاف المزيد من DemocPress ديموك بريس
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.