بقلم محمد علمي عضو المجلس الوطني لحزب الديمقراطيين الجدد
مع نقاش دعم الفنانين خلال جائحة كورونا أو قضية البولفار والرابور مثلا، ينتبه المغاربة من فترة لأخرى لوزارة تسمى “وزارة الثقافة” ذات النشاط المحجوب والميزانية المحتشمة، ووزير خارج الأضواء بالمقارنة مع باقي الوزراء مهما بلغت كفاءته.وهذا يظهر بوضوح كيف تنظر الحكومة، بل الحكومات، لهذه الوزارة و من خلالها تصور الدولة للثقافة.
الثقافة ليست مجرد مجموعة غنائية أو لوحة تشكيلية، أو دار شباب أو مهرجان. الثقافة هي مشروع مجتمعي كبير يهدف للرقي بالمجتمع وصناعة وعيه وتشكيل هويته وتعزيز الإنتماء لديه وترسيخ القيم فيه. بل قد تصبح الثقافة صناعة قادرة على خلق الثروة من خلال استثمار الرصيد الثقافي بكل أشكاله، كالترويج للقطاع السياحي أو العلمي أو الديني حتى.
كما يمكن للثقافة أن تمثل قوة ناعمة قادرة على ربط علاقات ديبلوماسية موازية، ودعم وتمرير تصور المغرب لعدة قضايا وطنية وإقليمية ودولية. ولنا في التجربة الكورية والتركية خير مثال، فبفضل مجموعات غنائية أو مسلسلات، استطاعتا جذب الشباب لثقافتهما ولغتهما والترويج للعالم السياحة ومنه لقطاعات اقتصادية أخرى كالموضة والنسيج والتعلم والعقار… وكل هذا يجلب الاستثمارات ويساعد على خلق مناصب الشغل.
إن ضعف الثقافة في السياسة العمومية يرجع نوعا ما لتهميشها في برامج غلب لأحزاب السياسية، التي من المفترض أنها تشكل الحكومة، حيث أن عدد منها يسقطها أو يجعلها في نهاية برنامجه بكلام إنشائي فضفاض لا يرقى إلى قيمتها الأخلاقية أو حتى الاقتصادية، وهذا أمر يجب أن تتم القطيعة معه، فالأحزاب السياسية تمثل نخبة المجتمع وتساهم بشكل أو بآخر في تدبير الشأن العام و تأطير المواطن.
لن ندخل في نقاش علاقة السياسة بالثقافة، وسؤال هل يجب تسييس المثقف أو تثقيف السياسي، الآن، لكن ما يجب ترسيخه بشكل ضروري ومؤكد هو ثقافة الثقافة، ليس فقط عند السياسي وصانع القرار بل لدى كل فاعل في المجتمع بهدف تعميمها في المجتمع كله. فالمجتمع المثقف مجتمع واعي ومسؤول.
إن المغرب يملك من التنوع والغنى الثقافي تحسده عليه الكثير من الدول بل منها من يحاول الإستيلاء عليه. وخير وسيلة لحماية هذه الثروة يكون من خلال تثمينها والترويج لها والاستثمار فيها وترسيخ مغربيتها على المستوى العالمي، ليس فقط في الثرات ولكن أيضاً في الإبداعات والانتاجات الفكرية والفنية والأدبية المعاصرة، خاصة الشابة منها، والتي لا ترجوا سوى بعض الدعم والتقدير.
اكتشاف المزيد من DemocPress ديموك بريس
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.