الرئيسية » أخبار الحزب » التنسيقية الإقليمية لحزب الديمقراطيين الجدد بالمحمدية تعقد جمعها العام لتجديد هياكلها

إلى دفء حضن الوطن

بقلم المصطفى لحبيب

ذات يوم من الأيام الخوالي الضاربة في عمق القدم، وصل رجل وامرأة، جاءا من بعيدِ بعيدِ العدم عبر أثير زمن قبل وجود الوجود، مركبهما أضغاث أحلام، كوابيس طويلة مزعجة، في أغرب وأكبر عملية تهجير جماعي، استوطنا الأرض الخلاء، بحثا عبثا في كل الأمكنة عن بني جنسهم لم يجدا سوى صدى الفراغ القاتل، سلما بواقع الأمر استأنسا بساكنة الأرض الأصليين، عاش الزوجان التائهان بدايات الحكاية حكاية غريبة عجيبة لم تنتهي أطوارها المتشابكة المتلاحقة بعد… عنوانها آدم وحواء وأبناءهما السبع ملايير عدا ما فقدا من بنين وبنات أثناء مشوارهما العريض الطويل، عانى أبوانا الأمرين مرارة الغربة القسرية في وطن بديل بداية الزمن، ومرارة اقتتال فلذات كبديهما فيما تلاه من أزمنة، صيرورة لا متناهية من الأحاسيس المتناقضة، أحدات ووقائع متضاربة، عوالم كثيرة منها الحاضرة في الذاكرة ومنها المنسية. ظل الأمل الكبير في العودة من ذل حياة النفي وصَغار الاغتراب إلى دفء حضن الوطن الأصلي يراود الوالدين المبعدين، حنين وشوق إلى معانقة ثرى وثريا أرض مولد الحلم، المنشأ الأول، حيث الأمن والسلام، حيث الحب الجميل الذي لا يعرف وجه الكراهية الناتئ القبيح، حيث الشمس الدافئة التي لا تغيب أبدا وطيب الهواء وطيِّب المرتع، حيث يتبدد الكابوس المزعج في فراغ العدم ويتمطط الفناء الدنيوي إلى أبدية، صبرا وكل سلواهما رجاء صدور العفو المرتقب، صك غفران يمنحهما بطاقة الرجوع ونهاية المأساة، يسدل الستار عن أكبر عملية ترحيل جماعي وأطول فترة لجوء وإبعاد خارج الحدود. طال الزمان واشتعل رأس المنتظرين شيبا شاخا ولم يشخ ذلك الأمل، بقي غضا طريا في قلوبهما الهائمة العاشقة الولهانة، لم يتآكل بفعل اليأس وطول انتظار، لم يأخذ منه البتة الحزن والألم وتوالي رزايا ولسعات الزمن، صمد في وجه كل الإحن والمحن، الشوق اللامحدود واللامشروط غذاهما بإكسير القوة لمواجهة صروف الدهر وتقلبات الحياة، نقشا بإزميل الحب المنقطع النظير فوق الصخور الصلدة وبحروف من ذهب أكبر وأغرب وأعظم ملحمة فناء ذات الحبيب في ذات المحبوب وأجمل قصة إصرار عشيق خلف أبواب معشوقته الموصدة، ينتظر في جلد وصبر إطلالة سريعة تعيد إليه بارقة الأمل. عجز الأبوان عن الحركة سرى في أوصالهما تعب وثقل السنون، لزما فراش المرض محراب المنقطع الذليل الهائم التواق إلى الذوبان في الملكوت السرمدي، رحلا في موكب صغير إلى موطن الحلم ماتا وفي عينيهما دمعة وفي قلبيهما حسرة، عاشا على أمل العودة مع كل أبنائهما إلى الوطن الأم، بكيا بحرقة كبيرة يتم وغربة فلذات كبدهما في أرض النزوح بلا دليل، بلا حنان حضن أم يسع الصغير قبل الكبير، العليل قبل السليم ولا حزم أب يجمع بحكمته الغني والفقير البار والأثيم، ولا كبير شوقٍ وعظيم تلهفٍ إلى الوطن الحبيب.

عن الإدارة

تعليق واحد

  1. مقال رائع مزيدا من التألق

اترك تعليقا