هو عنوان لأبجدية التاريخ الحديث الذي يصف علاقة الأفراد وسط ذُهول مجتمع الحداثة و ما بعدها. إن التراتبية المرسَّخة التي ميزت المجتمعات الإنسانية خلقت ظواهر اجتماعية و كرّست أخرى، أهمها أن كُلَّ فرد في هذه المجتمعات يسعى إلى قَهر من هو دونه ; فالرَّئيس يقهر مرؤوسه، و المسؤُول يقهر مُدراءه، و المدير يقهر كاتبه و الكاتب يقهر موظفه، و الموظف يقهر “الشَّاوش” و هذا الأخير يقهر المواطن. هذا الترتيب أورده الدكتور “مصطفى حجازي ” في كتابه ” سيكولوجية الإنسان المقهور” و وضَّح أن القَهر المجتمعاتي يمتد ليصل إلى الأُسر البسيطة لنجد أن رب الأسرة المقهور يمارس قهرا على زوجته و أولاده، و أولاده بدورهم يقهر بعضهم بعضاً، و هكذا دواليك. يتبلور القهر إلى عنف مجتمعاتي خطير تتسع رقعته يوما بعد يوم، حيث أصبحنا نعيش إيقاعا متوترا مردُّه إلى هضم الحقوق و المطالبة بالواجبات، و تمتع فئات دون أخرى بالامتيازات الاقتصادية و الاجتماعية، لتكون النتيجة جيلا معطوبا موبوءا بشتى الأمراض و العاهات الفكرية منها و النفسية، جيلٌ لم يتقبل ما يعيشه من فوضى و تلاعبات، يرفض قيم الماض القريب، ينازع في أتفه الأمور، يتعصب للرأي و يخالف من أجل أن يخالف. لم يرض و لن يرض، يطمح من غير استعداد أو تكوين، ينافس دون نزاهة و يفتقد للحنين، لن يهدأ و هو لا يأبه لأي كان.
إن البنية الفكرية لمجتمع ما تتحدد وفق منظومة من المحددات و تتمظهر من خلال تجليات تكون بارزة للعيان، و حتى نكون أكثر موضوعية في موضوع يمس المغاربة بشكل مباشر، فإنني أعلنها حالة تواطؤ، تواطؤ المغاربة ضد أنفسهم. تواطؤ تتوزع فيه المسؤوليات و تتحدد بمقدار ما بينهم. ويمكن ببساطة الارتكان الى الحل من خلال الجواب على الاسئلة التالية: ما هي قيمنا بالتحديد؟ ما الذي نريده؟ و ما هي إمكاناتنا ؟ و كيف السبيل إلى توظيفها؟
ننادي بالإصلاح و التقشف و نشتري الشوكولاطة، نشيد مؤسسات دستورية و حقوقية و إلى جانبها سراديب لأغراض أمنية، نعلن عن مكتسبات اجتماعية دون تنفيذها، نزيد ظهور البسطاء انحناءا و اعوجاجا، و في الوقت الذي يبتكر فيه شبابنا المهاجر أنظمة إلكترونية معقدة، هناك من يُهَرطق ليل نهار بالعفاريت. فكيف نكسب ثقة شباب لا يرى غير العشوائية و تضارب المصالح، و الذي لم يصدق أشك أنه يعيش هنا في هذه الرقعة السعيدة من العالم.
بقلم : نبيل مليحي